- مميزة
- العلوم الصرفة
- شط العرب , البصرة , المياه
شط العرب والبصرة بين الملوحة والجفاف
شط العرب هو المصدر الوحيد للمياه العذبة في محافظة البصرة الواقعة جنوب العراق وهو شريانها الابهر وسر الحياة فيها ومنبع الخير والجمال. يتكون شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات في منطقة كرمة علي شمال البصرة ويخترق المدينة جنوبا لمسافة 195 كم ليصب في الخليج العربي. وصفت البصرة بفينيسيا الشرق وبندقية العرب لكثرة الانهار المتفرعة من شط العرب والتي وصل عددها الى 637 نهراً تخترق مناطق البصرة المختلفة. بفضل شط العرب, فان مهنة الزراعة وصيد الاسماك وتربيتها كانت من المهن الاساسية لسكان القرى والارياف ومصدر القوت والاكتفاء الذاتي لشريحة واسعة من المجتمع البصري. في السبعينيات من القرن الماضي بلغت صادرات العراق من التمور اكثر من مليون طن سنوياً وبلغت الصادرات من البصرة وحدها 130 الف طن سنوياً.
في ثمانينيات القرن الماضي ساءت ظروف المنطقة بسبب الحروب والاهمال وضعف ادارة الموارد البيئية وازدياد الملوثات كماً ونوعاً وشحة المياه القادمة الى شط العرب من الروافد بسبب بناء السدود والخزانات ومحطات توليد الطاقة الكهربائية. تلتها فترة التسعينيات التي شهدت عملية تجفيف الاهوار والتي اثرت بشكل كبير على نوعية المياه الواصلة الى شط العرب. لكون شط العرب من الانهار المدية (يتأثر بظاهرة المد والجزر) فان انخفاض مناسيب المياه القادمة اليه من الروافد قد اعطى الفرصة لمياه الخليج المالحة من التقدم في مجرى النهر مسببة تغيراً كبيراً في محتوى مياه شط العرب من الاملاح.
ان ارتفاع نسبة الملوحة والمواد الملوثة الكيمياوية منها والعضوية تسببت بظهور انواع مختلفة من الطحالب السامة وتلون مياه الانهار الداخلية باللون الوردي وهذا مالم تشهده البيئة المحلية في وقت سابق.
لم تأتي هذه التغيرات لوحدها بل جاءت مصحوبة بمشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة ذات انعكاسات سلبية على محافظة البصرة ومستوى الامن المجتمعي والاستقرار الاقتصادي والسياسي. بسبب ارتفاع ملوحة التربة الناتجة عن ملوحة المياه وعدم استخدام التكنولوجيا الحديثة فقد فقدت البصرة ثروتها الغزيرة من اشجار النخيل كما فشلت الكثير من المحاولات لزراعة المحاصيل الاقتصادية في المحافظة.
لم تكن الحيوانات بمنأى عن تأثير المد الملحي الذي هجم على شط العرب وبشكل اكثر وضوحاً في صيف 2018 حيث ان مربي الجواميس تكبدوا خسائر كبيرة نتيجة نفوق حيواناتهم لا سيما وان سعر الحيوان الواحد قد يصل الى خمسة ملايين دينار. لجأ بعض المربون الى ذبح الحيوانات وبيع لحومها قبل نفوقها تفادياً للخسارة دون مراقبة الجهات الصحية ذات العلاقة، وقد يكون لهذه اللحوم مخاطر صحية غير مدروسة. وقد اضطر بعض مربي الجواميس الى نقلها من مكان الى اخر مبتعدين عن مستويات الملوحة المميتة لحيواناتهم، فيما اضطر البعض الى بيع حيواناتهم لصعوبة الحفاظ عليها بسبب شحة المياه من جهة وملوحتها من جهة اخرى.
ان تذبذب الملوحة وارتفاعها الى مستويات عالية في المياه الواصلة الى شط العرب قد سبب ارتفاع تركيز الايونات في دم الاسماك وخللاً في عملية التنظيم الازموزي مما ادى الى نفوقها بشكل شامل فضلا عن ضعف قدرتها على استهلاك الاوكسجين مما سبب اختناقها في عامي 2009 و 2018 حين شهدت مياه شط العرب انخفاظاً شديداً في مناسيب المياه وارتفاعاً كبيراً في الملوحة. حاول بعض مربي الاسماك التقليل من الخسائر وذلك بعدم ضخ مياه جديدة من شط العرب الى احواض تربية الاسماك والاحتفاظ بالمياه الموجودة فيها قبل وصول المد الملحي ليتمكنوا من بيع المحصول واسترجاع ولو جزء من رأس المال ولكنهم لم يفلحوا بسبب عدم رغبة المستهلك بشراء الاسماك المحلية التي كانت الضحية الاولى لارتفاع مستوى الملوحة والتلوث في شط العرب.
في صيف 2018 بدت اثارالملوحة واضحة على المجتمع البصري متمثلة بتسجيل 118000 حالة تسمم بين المواطنين من كافة الاعمار (وفقاً لمنظمة حقوق الانسان) مما ادى الى غضب جماهيري ومظاهرات شعبية واسعة شملت كل اطياف المجتمع من النساء والرجال.
تشير الدراسات الى ان التغيرات البيئية تعد من اسباب هجرة السكان وهذا ما حدث في مناطق مختلفة من البصرة مثل قضاء الفاو واهوار المسحب. وصلت الخسائر الناجمة عن ارتفاع الملوحة في 80 مزرعة صغيرة من مزارع الاهوار في شمال البصرة الى مليار وستمائة وخمسين مليون دينار عراقي في كارثة المد الملحي لعام 2018 مما اجبر عدد من الاهالي على ترك مناطق سكناهم متجهين الى المدينة بحثاً عن فرص جديدة للعمل وهذا ما حدث عام 2009 للاسباب ذاتها.
ان ما تقدم كان له الاثر الكبير على الواقع الاجتماعي للمحافظة حيث هجر اهل الاهوار قراهم وفقدوا مصادر رزقهم وتفككت علاقاتهم الاجتماعية بعد ان نزحوا الى مواقع متفرقة من المحافظة والحال ينطبق على الاقضية والنواحي التي يمتهن اهلها الزراعة وتربية الاسماك والمواشي.
تشير التقارير العالمية إلى أن الفقراء أكثر تأثراً بالكوارث الطبيعية والتغيرات البيئية لأن نقص الموارد المالية يضعف قدرتهم على البقاء والتعافي السريع من الأزمات أو التكيف مع الظروف المتغيرة. لذلك، من الضروري إيجاد فرص عمل بديلة للمزارعين ومربي الحيوانات والاحياء المائية خارج القطاعات المتأثرة بالمد الملحي من أجل الحد من آثار الظواهر البيئية المتطرفة على المجتمع الريفي. علاوة على ذلك، من الضروري إنشاء صناديق دعم مجتمعية توفر الغذاء والموارد الرئيسية الأخرى للمجتمعات الفقيرة في أوقات الأزمات.
لضمان أمن المجتمع ولتجنب النزاعات الداخلية، من الضروري إدراج إدارة مخاطر الكوارث ضمن خطة التنمية في البلاد وبناء خبرات متخصصة في إدارة الكوارث والتغير البيئي وإدارة موارد المياه. إن برامج التوعية العامة ضروري حتى يقدر جميع الناس المشكلة الخطيرة التي يواجهونها ولاجل ان يعدوا العدة للتعامل معها. ان التغيرات المناخية العالمية تهدد معظم الناس وحقوقهم الإنسانية. لذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم طبيعة تأثير التغيرات البيئية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمزارعين ومربي الحيوانات والاسماك والتي يمكن أن تساعد في التخطيط لتحسين دخلهم المادي وحماية حقوقهم الإنسانية مع تقليل الآثار البيئية السلبية. ان مواجهة التغيرات المناخية والبيئية يتطلب إدارة حكيمة لموارد المياه المتاحة من خلال إعادة تدوير المياه العادمة وتبني مشاريع حصاد المياه. من الضروري إعادة النظر في الجدوى البيئية والاقتصادية لأساليب الزراعة التقليدية في المحافظة والتي تستنزف كميات كبيرة من المياه وإيجاد مصادر بديلة لمياه شط العرب مثل المياه الجوفية.
المصادر العربية
1. النبهاني الطائي الشيخ محمد ابن العلامه الشيخ خليفه بن محمد بن موسى 1980 البصره التحفه النهائيه في تاريخ الجزيره العربيه منشورات مركز دراسات الخليج العربي جامعه البصرة
2. احمد, عرفات رجب (2018). المحور الاجتماعي في (علي, مالك حسن واخرون). (شط العرب مستقبل البصرة, دراسه فنية لاقامة السدة التنظيمية في موقع شمال ابو الفلوس وتقييم الاثر البيئي). دراسة مقدمة من مركز علوم البحار في جامعة البصرة.
المصادر الاجنبية
1- Arafat R. Ahmed, Jihad M. Al-Zewar, Adil A. Abulhasan, and Nadia AlMudaffar Fawzi (2020) Culture of common carp (Cyprinus carpio L.) in Basrah Governorate, southern Iraq; Current status and suggestions for development. Eco. Env. & Cons. 26 (2); pp. (203-210) Copyright@ EM International ISSN 0971–765X
2- Arafat R. Ahmed, Jihad M. Al-Zewar (2020) Socio-economic impact of the saltwater intrusion in the Shatt al-Arab River on fish farmers in Al-Mashab marshes, Southern Iraq. Mediterranean Fisheries and Aquaculture Research. 3(2):83-91.
3- Al-mahmood, H. K. (2019). Water Resources in Basra And its Recent problems. House of Books for Printing and Publishing. The University of Basrah. 322 pages
4- Human Rights Watch (2019). Basra is Thirsty , Iraq’s Failure to Manage the Water Crisis. https://www.hrw.org/report/2019/07/22/basra-thirsty/iraqs-failure-manage-water-crisis.
5- Wood, W.B. (2001) Ecomigration: Linkages between environmental change and migration. In Zolberg, A.R. and Benda, P. M.(eds.) Global Migrants, Global Refugees. Berghahn, Oxford.
6- Matutinovic, I. (2006) Mass migrations, income inequality and ecosystem health in the second wave of globalization. In Ecological Economics. (59):199 – 203.