- مميزة
- العلوم الانسانية
- الحضارة , بابل , التاريخ
بابل الحضارة والتاريخ
فالحلة : مدينة يفصح اسمها عن شهرتها ويغني ذكرها عن الحديث عنها ، الا ان للتاريخ حصة لابد ان تستعاد كشاهد يروي للأجيال المتعاقبة ، حتى يكونوا متواصلين في بناء مجد اسلافهم ، وسقي ما بذروا في ارضهم الخصبة ، وعقولهم المتنورة ، ونفوسهم النضرة ، من بذور الخير والعلم والمعرفة .
فالحليون عشقوا المعرفة ، واحبوا العلم ، فكانوا امتدادا لمدينتهم الحافلة بالماء والخضرة ، يجمعهم العطاء والنماء ، ويوحدهم الطبع والعقيدة .
كانت الحلة محل اهتمام اهل البيت (عليهم السلام) ، وكان امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) اول من اشار اليها قبل وجودها ، في الرواية المشهورة التي يرويها الشيخ المجلسي في بحاره ونصها : “روي الشيخ محمد بن جعفر بن علي المشهدي ، قال حدثني الشريف عز الدين ابو المكارم حمزة بن علي بن زهرة العلوي الحسيني الحلبي عند نزوله بالحلة السيفيّة وقد وردها حاجاً سنة 574 ورأيته يلتفت يميناً ويساراً فسألته عن ذلك فقال : انني لا اعلم ان لمدينتكم هذه فضلاً جزيلاً ، قلت : وما هو قال : اخبرني ابي عن ابيه عن محمد بن قولوية عن الشيخ ابي جعفر محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن ابي حمزة الثمالي عن الاصبغ بن نباته قال : صحبت مولاي امير المؤمنين (ع) عند وروده الى صفين ، وقد وقف على تل عرير ، ثم أوما الى ارض تتكاثف فيها الاشجار ما بين بابل والتل ، وقال : مدينة واي مدينة ، فقلت : يا مولاي أراك تذكر مدينة ، اكان ههنا مدينة وانمحت آثارها ، فقال : لا ، ولكن ستكون مدينة يقال لها : الحلة السيفيّة ، يُمدنها رجل من بني اسد يظهر بها قوم أخيار ، لو أقسم احدهم على الله لابر قسمه”
وصدقت تلك النبؤءة كما يصف ياقوت الحموي في معجم البلدان ” ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الاسدي ، وكانت منازل آبائه الدور من النيل ، فلما قوي أمره واشتد أزره وكثرت امواله لاشتغال الملوك السلجوقية بالحروب بينهم ، انتقل الى الجامعين موضع غربي الفرات ، نزل فيها باهله وعساكره وبنى بها المنازل الجليلية والدور الفاخرة وكذلك اصحابه ، بعد ان كانت ارض خاوية ، فصارت ملجأً ومقصداً للتجار فصارت افخر بلاد العراق واحسنها” . والجامعين الان هو حي من احياء الحلة القديمة جدا ببيوته التراثية واهله البسطاء .
وعرفت الحلة ﺒ(السيفيّة) نسبة الى الامير سيف الدولة الذي بناها وﺒ(المزيدية) نسبة الى بني مزيد قبيلته.
وليس من احد قدم اليها الا وكان من مادحيها ، والمثنين على اهلها وساكنيها وليس من واصف لها الا وهو مبهور بما يصف معقباً في وصفه تزايداً في الاقبال عليها استجماما او طلباً للعلم او التجارة .
وبعد ثمانين عاما على تمصيرها زارها الرحالة (ابن جبير) فقال واصفا: ” مدينة كبيرة ، عتيقة الوضع ، مستطيلة .. لها أسواق حفيلة ، جامعة للمرافق المدينة والصناعات الضرورية وهي قوية العمارة ، كثيرة الخلق ، متصلة حدائق النخيل داخلاً وخارجاً . ديارها بين حدائق النخيل ، والفينا بها جسراً عظيماً معقودا على مراكب كبار متصلة من الشط الى الشط ، تحف من جانبها سلاسل من حديد كالأذرع المفتولة عظماً وضخامة ، ترتبط الى خشب مثبتة في كلا الشطين تدل على عظم الاستطاعة والقدرة ”
وتوالى الرحالون من بعده من المسلمين وغير المسلمين ، وكلهم يجمعون بالثناء عليها ويرفعون من شأن أبنائها وخلقهم وما يتصفون به من صفات حميدة سامية .
ومما دفع تعاظم النهضة الفكرية والثقافية فيها هو حب امرائها للعلم والادب ، ودعمهم وتشجيعهم للعلماء والشعراء والادباء وممن على شاكلتهم ، واجزال الرفد والعطاء لهم ، حتى غدت محجة يتقاطرون عليها وبفدون اليها ، بل ان امراء الحلة كانوا اهل علم وادب وشعر وحتى “ان سيف الدولة صدقة بن مزيد كانت له مكتبة ضخمة تضم ألوف المجلدات” (الحداد،2007،ص9-12).
وقد اشتهرت الحلة بالكثير من العلماء والكتاب والنقاد والباحثين والمبدعين ومن اهم هذه الرموز في تاريخ الحلة المفكر وصاحب العديد من المؤلفات والمهندس المدني وعضو المجمع العلمي العراقي (احمد سوسة) ، وعالم الآثار وامين المتحف العراقي ومعاونا ومديرا له وواحد اعضاء المجمع العلمي العراقي وصاحب العديد من المؤلفات التاريخية (طه باقر)، والباحث والمفكر (علي جواد الطاهر) ، واستاذ التاريخ القديم مؤلف العديد من الكتب باللغة العربية والانكليزية وهو (سامي سعيد الاحمد) ، الاديب والشاعر (عبد الجبار عباس) ، والناقد والاديب والمفكر (محمد مبارك)(مجموعة كُتاب،2007،ص25-30) .
اما اهم القباب التراثية القديمة في مدينة الحلة هي قبة مشهد الشمس وهي مقام لأمير المؤمنين الامام علي (ع) فهو الموضع الذي صلى فيه بأصحابه عندما ردت له الشمس وهو الان مزار عيم ومشهور ، وقبة مقام الامام علي (ع) في محلة الجامعين حاليا في حي الشاوي ، وقبة الكفل في ناحية الكفل حالياً(الدين،2007،ص20-21).
اما من اهم الاحياء القديمة (محلة الجامعين ، محلة الطاق ، محلة جبران ، محلة المهدية)
اما هم المعالم الثقافية والادبية المشهورة هو (شارع المكتبات) يبلغ طوله (40م) يبدأ من ساحة الاحتفالات (القشلة) لينتهي بشارع (الامام علي) جنوبا ، والذي ما يزال شاخصا الى الآن مع تغيير دوره الوظيفي عما كان في السابق ، فكان يعبر في السابق عن ثقافة المكان ، فهو مركز المدين النابض والمزدحم دوماً ، وله قيمة تجارية لايستهان بها بالإضافة الى قيمته التاريخية ، فهو يشكل جزء من تاريخ المدينة ، ولعل وجود عدد كبير من المكتبات فيه اكتسب هذه التسمية(السعيد،2007،ص77).
وختاماً ضجت بابل بالموروث من شواهد الحضارة والثقافة ، والتي يعود الكثير منها الى عصور سحيقة منذ المهد الرافديني وحتى ما سبقها ، ففجرت بتواصلها مع ذلك الماضي الحراك الثقافي فيها ، ولعل الفضل الاساس في هذه الاستمرارية التواصلية في التقدم الثقافي فيها يرجع الى جذوة الفكر والابداع المتأصلة في ابناءها المحبين للثقافة وقيم الجمال المفعمين برغبة العطاء في الفكر والابداع والبحث ، ليقدموا لمحبي الثقافة ومتابعيها كل جديد ، وبذلك يسهمون في تحفيز التفاعل الثقافي وادامته وتوسيع محيط تأثيره .
- الناجي ، احمد : التاريخ والحلة (في رحاب الفلسفة الهيغلية)، هيئة الاحياء والتحديث الحضاري ، بابل ، 2007، ص16.
- الحداد ، سعد : مراقد الحلة الفيحاء ، ط1، ج1، دار الضياء للطباعة والتصميم ، النجف ـ 2007، ص9-12.
- مجموعة كُتاب : مجموعة مقالات ، ع2، مج شبابيك ، هيئة الاحياء والتحديث الحضاري ، بابل ، السنة الاولى خريف ،2007،ص25-30.
- تاج الدين ، عامر السيد : القباب المخروطية في الحلة ، ع2، مج شبابيك ، هيئة الاحياء والتحديث الحضاري ، بابل ، السنة الاولى خريف 2007، ص20-21.
- السعيد ، صلاح : شارع المكتبات .. ثقافة المكان ، ع2، مج شبابيك ، هيئة الاحياء والتحديث الحضاري ، بابل ، السنة الاولى خريف 2007، ص77.