تداعيات خطر البيئة على الأنسان ( كوفيد 19رؤية فلسفية- اجتماعية)

 

شارك المقال

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Email
LinkedIn

إقرأ ايضا

<p>تهتم الدراسة في فهم ماهية الـخطر المتسبب به فيروس كـورونا في مختلف الـمجالات, وأهم الرؤى الفلسفية والاجتماعية التي تحاول جاهدة ادراك الـتداعيات والاثار التي ترتبت عليه, يتضح الاثر في نزعة الانسان الانانية وحب الـبقاء على حساب الاخرين, أو العكس في الـتكافل الاجتماعي والسياسي بين الـدول, والتساؤلات كثيرة في ذلك, هل انخفضت حدة الصراعات الايدلوجية ام اشتدت مسببة في ذلك خلق نظام عالـمي جديد, &nbsp;كيف يمكن الـنظر الى الانظمة المتقدمة التي خفقت في الحفاظ على نفوس افرادها, وليقتل الالاف الافراد من اجل الحفاظ على اقتصادها. لقد ادهش فايروس كورونا الـعالم بسرعة انتقاله واصابته للإنسان التي قد تؤدي بحياته, وعلى اثره تعطلت مرافق الحياة, وخلت المدن والشوارع من الناس واغلقت الاسواق والمصانع والمطارات, اضافة الى توقف شركات الاستثمار والخدمات.</p> <p>كثيرة هي تداعيات الازمة التي أوجدها فايروس كورونا على الكثير من المستويات والمجالات سواء أكانت البيئية والصحية المباشرة على حياة الانسان التي تحدد مصيره في الحياة والموت أو الجوانب الاقتصادية والسياسية وخلق نظام عالمي جديد وصراع البقاء في مصدر الهيمنة للدول العظمى.</p> <p>كيف يمكن الـتنبؤ بالخطر المحدق بما تخلفه الازمة من دمار؟ لذلك كانت هذه الدراسة هي استقراء لرؤية الفلاسفة المعاصرين للازمة وعن صورة الفايروس, ليس لطبيعته البيولوجية وطريقة الانتقال, لكن على مستوى التأثير الايدلوجي والاخلاقي للمجتمع والـدولة, فضلا عن الرؤية الافتراضية التي تذهب الى ادخال الفايروس ضمن الواقع الافتراضي أو &nbsp;المخطط والمرسوم له والتي تقترب من نظرية المؤامرة.</p> <p>- &nbsp; &nbsp; &nbsp; التأثيرات الاجتماعية- كيف يتم التعامل مع الفايروس اجتماعياً ؟</p> <p>قد كان العلم والـبحث به والنتائج التي يصل اليها العلماء في المختبرات هو شأن علمي بحت, لم يكن نصيب الافراد من عامة الناس الا الشيء البسيط منها, اما بسبب جائحة كورونا كان المجتمع على اطلاع مباشر بالنتائج, فهي لم تكن حكراً لمؤسسة أو دولة محددة, لان الخطر يشمل الجميع. فلّم تقتصر على علم مختص دون غيره, بل انتقلت المهمة الى الانسان العادي لان الوقاية والحذر مهمة الجميع, وهنا تبدأ مهمة علم الاجتماع في تحديد السلوك الاجتماعي الملائم مع الفيروس.</p> <p>يمكن تحديد التعامل حسب رؤية الفيلسوف الفرنسي (كريستوف الصالح Christophe Al-saleh) على التعاطي الجماعي مع الفايروس منذ ظهوره والى حدود انتشاره العالمي الراهن, ضمن مرحلتين اثنتين:</p> <p>أولا: مرحلة اللامبالاة. في هذا الـسياق. تمّ تمثّل المرض على أنه خطر بعيد(مجالياً وثقافياً), مرتبط بالأخر الصيني بالضرورة, مع محاولات لإحياء المركزية الغربية, تنبع بالضرورة من خوف تاريخي دفين من الأوبئة.</p> <p>ثانياً:- مرحلة الذعر. في هذه المرحلة اصبح الخطر قريباً, في كل دولة تقريباً أعداد متفاوتة ولا يوجد معرفة علاج أو لقاح يمكن أن يحد من المرض وانتشاره.</p> <p>أن ما انتجه فيروس كورونا هو ما انتجه فيروس سارس ولكن ليس بهذه الحدة من التأثير, ولعل سبب ذلك التطور البيولوجي لفيروس كورونا, وهذا ما استدعى تكوين منظمات خاصة ومؤسسات مهمتها اجراء التحضيرات المناسبة للازمة, فالردود المباشرة على فيروس سارس قد استدعت عقد جمعية مكونة من مؤسسات وحكومات وخبراء وعلماء اخلاق عبر جميع الحدود ومن مسافات بعيدة, وتشابك وتكاتف خبراء الصحة في اماكن مختلفة من العالم معاً بصدد احتياطات وقائية واجراءات وممارسات إدارية للسيطرة على الفيروس .</p> <p>إن اكثر الـكوارث المخيفة تلك التي تتبع استنادها على طموح وسعي سواء في الـماضي والحاضر الى الوصول لحلول عقلانية, فأكثر الكوارث مأساوية تنشأ في أغلب الظن من خلال الحرب ضد الكوارث, فالأخطار تتنامى مع نمو قوانا, وقوتنا التي نفتقدها من غيرها تلك التي تمكننا من الـتنبؤ بحلول الكوارث التي تمككنا من تقدير مداها, وان كان هنالك جدل في بناء التنبؤ العلمي في ادراك خطورة الكوارث مهما كان نوعها ومنها الـكوارث &nbsp;الـبيولوجية .</p> <p>هذا على العكس من ما جاء به عالم الاجتماع الالماني اولـريش بيك من تأسيس علم خاص بالأوبئة ومنظمات خاصة بالأزمة, نجد اتجاها مغايراً تماماً في سوسيولوجيا التعارض, نجد أنفسنا في مواجهة ثلاث معضلات، أولها معضلة المرور من البيولوجي إلى السوسيولوجي، والثانية معضلة الوجود في مفترق طرق، أو ما يسمّيه &quot;حالة الوجود فوق العتبة&quot;؛ أي ليس قبلها أو بعدها، وهي المنطقة الرمادية، أما الثالثة فتتعلق بالجائحة بوصفها عارضًا Contingent وفي هذا الإطار، سنواجه مشكلة مقاربة العارض سوسيولوجيًا، وهي مشكلة لأن العارض عادة مطرود من المعرفة الاجتماعية، مقترحًا في هذا السياق طريقة منهجية تبدو مختلفة لمقاربة الجائحة بوصفها عارضًا.</p> <p>قد نقترب من رؤية اولريش بيك في وضع الحلول المناسبة وان كان بدرجة من الدرجات ولا يمكن إن نعتبر رؤية سوسيولوجيا التعارض صحيحة ازاء الوباء لان هنالك علم مختص حسب تاريخ الاوبئة والتي يجب تحديث اجرائها حسب الازمة والاضرار التي يحدثها الفيروس أو الوباء.</p> <p>- &nbsp; &nbsp; &nbsp; الفـلسفة السياسية ما بعد كـورونا.</p> <p>يذهب الكثير من الباحثين والمنظرين السياسيين الى نظرية المؤامرة وراء فايروس كورونا(كوفيد19) وهي ضربة للنظام الـرأسمالي واحتمال اعادة الـشيوعية ولكن بشكل جديد, &nbsp;إذ تظهر الحاجة الملحة لإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي بشكل لا يبقى فيها تحت رحمة آليات السوق. وهنا لسنا بصدد الـحديث عن شيوعية على الطراز القديم، وإنما عن شكل من أشكال الـتنظيم العالمي، يستطيع الـتحكم بالاقتصاد وإدارته، وبإمكانه كذلك تقييد سيادة الدول الـقومية. وهذا يتعلق ضمن التنافس والصراع الاقتصادي في التصدي للازمة وسد الحاجات الاساسية من الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية الموافقة لأغراض الوقاية, ولعل الـصراع الامريكي الـصيني هو من اعاد هذه الدعوة بسبب تفوق الصين اقتصادياً, ويعتقد أولئك الذين يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة أن الفيروس سلاح بيولوجي يستهدف اقتصاد الـصين. وقِلة من المراقبين يذكرون، السبب الأساسي وراء تفشي الـوباء.</p> <p>ويعتقد الفيلسوف السلوفيني (سلافوي جيجيك) بأن هذه الأزمة ستعطي معنى جديدًا للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد كل الـبعد عن تلك الـشيوعية الـتاريخية، بينما ستكون الحاجة للتعاون والتضامن العالمي للتغلب على الأزمة الصحية بمثابة &quot;اكتشاف مُبتذل&quot; لكنه ثوري في الوقت ذاته. ينضم جيجيك إلى مفكرين آخرين يفكرون في أن اندلاع الوباء وضع العالم أمام حقيقة حاجته إلى إعادة اختراع الشيوعية، على عكس القائلين بأن الجائحة ستُسقط النظام الصيني، فمن الأسهل على الناس، بحسب جيجيك، تخيل سقوط النظام الشيوعي في الصين أو حتى نهاية العالم على أن يتخيلوا نهاية النظام الرأسمالي، &nbsp;غير أنه يؤكد أن العالم لن يستمر كما كنا نعرفه ولن يعود إلى النظام الذي كان عليه قبل كورونا.</p> <p>بينما أوقف أغلب بلدان العالم مؤسسات التعليم والعمل، وحظرت الدول السفر مع تزايد الإجراءات المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، وبدت أزمة الجائحة كاختبار للفلسفات المعاصرة والسائدة، وبذلك حالة الطوارئ ستجلب معها حالة استبدادية جديدة، حتى وإن عزّزت الروابط المجتمعية.</p> <p>قد شملت الـجائحة على قيود ألغت فيها الـحريات والـحقوق ولاسيما في الـعزل الصحي وحضر التجوال وهذا الأمر الذي يجعل جيجيك &nbsp;يتخوَّف من وباء السلطويَّة وشيوع الاستبداد، متوقعاً أن تنشأ في أوروبا: بربرية جديدة بوجهٍ إنسانيّ- حيث تُفرض قيودٌ صارمة لا ترحم من أجل البقاء- تلجأ إلى آراء الخبراء لاكتساب مشروعيتها. وهذا ما يكون شكل جديد من اشكال الهيمنة في السيطرة على الافراد والغاء حرياتهم .</p> <p>- &nbsp; &nbsp; &nbsp; رؤية ادغار موران لفيروس كورونا في ظل علم الازمات.</p> <p>لعل فلسفة ادغار موران تحيط بعلم الكوارث, أو ما يسميه علم الازمات, فهو متوقع لما يحدث وان كان ذلك ليس على وجه التحديد, &nbsp;فهو منشغل بمصير العالم منذ أن استوعب- أثناء قراءته أعمال هيدغر سنة 1960- بأننا نعيش عصراً كونياً, ثم بعد عام2000م عندما استوعب أن العولمة يمكنها أن تفضي الى مزايا قدر ما تفضي إليه من رزايا. ولاحظ أيضاً تسارعاً مفرطاً للنمو التكنو- اقتصادي يحركه تهافت على الربح مدعوم من قبل ساسة نيوليبرالية… منذ تلك اللحظة أصبح مستعداً فكرياً لمواجهة ما هو غير منتظر, والتصدي للتقلبات. ليس هذا فحسب بل فلاسفة ما بعد الحداثة والفلسفة في القرن العشرين سارت بهذا الاتجاه اللامتوقع واللايقين بسب الحروب العالمية التي افتتح بها القرن العشرين, وما الحق ذلك من كوارث وما احدثته التقنية بتوفير وسائل هائلة بالتدمير, فالكوارث والمخاطر ليس بما يمكن ان تحدثه الطبيعة فحسب, بل ما يحدث بالحرب البيولوجية والارهاب.</p> <p>الجدل الذي حدث في اليقين واللايقين ميز فلسفة الحداثة, الا ان اللايقين يبقى السمة البارزة التي لابد من التعايش معها, يجب أن يذكرنا هذا الفيروس بأن اللايقين يبقى العنصر الذي لا يمكن التغلب عليه في حالنا كبشر, كل التأمينات الاجتماعية التي يمكن أن نكتبها, ليس بوسعها أن تضمن لنا عدم الإصابة بالمرض أو أن نتمتع بالسعادة في بيوتنا, نحن نسعى إلى إحاطة أنفسنا بأقصى ما يمكن من اليقينيات, لكن الحياة هي إبحار في محيط من الشكوك, تتخلله جزر من اليقين التي نتزود منها لمواصلة الابحار وفي هذا السعي ينتقل موران في علم الازمات من اللايقين الى حالة اليقين التي ينشدها الانسان في تخطي الازمات.</p> <p>- &nbsp; &nbsp; &nbsp; النتائج.</p> <p>تختلف النتائج باختلاف تأثيرات تداعيات الازمة على المستويات كافة, فلا تخفى الاضرار الجسيمة التي تسببت بها الجائحة من تعطيل الجانب الاقتصادي والتباعد الاجتماعي وتمحور الصراعات السياسية التي تغلب القوى الماسكة والمهيمنة على قوى الازمة, حتى اختصر القطاع الصناعي على الادوات الوقائية والطبية التي بإمكانها الحد من الازمة والسيطرة على الوباء.</p> <p>اما في البعد الفلسفي نجد سيادة فلسفة اللايقين فلا يوجد شيء ثابت وحتمي بالتعامل مع الازمة, خلقت الجائحة عادات وسلوكيات مختلفة وقد تكون منعكسة فيما يعيشه الانسان خلاف طبيعته بوصفه حيوان اجتماعي وسياسي الى الابتعاد والعزل عن الاخرين كطريق للسيطرة على الوباء. مما نمى نزعة الانانية لدى الفرد في الحفاظ على ذاته. هذا ما يمكن ملاحظته على الجانب الاناني او السلبي للإنسان, بينما الجانب الايجابي عزز روح التفاني من اجل الأخرين ويظهر ذلك جلياً مع الكوادر الطبية التي لم تدخر جهدا في مساعدة المرضى حتى وان كان ذلك على حساب حياتهم.</p>

المصادر

  1.   ادغار موران. (2020). علينا أن نتعود على العيش بالايقين. (حوار: فرانسيس لوكونت ترجمة: عبد اللطيف القرشي، المترجمون) الدوحة، قطر.
  2.  أولريش بيك. (2013). مجتمع المخاطر العالمي (المجلد الاول). (علا عادل- هند إبراهيم- بسنت حسن، المترجمون) القاهرة، مصر: المركز القومي للترجمة.
  3. سلافوي جيجيك. (24/مايو2020). سلافوي جيجيك يرى عالم بعد كورونا شيوعيًا. منشورات إيلاف
  4. سلافوي جيجيك. (مارس 2020). كورونا” ضربة للرأسمالية قد تعيد اختراع الشيوعية.
  5.  محمد الادريسي. (2020). في الحاجة إلى لقاح ضد الخوف. (رئيس التحرير: فالح بن حسين الهاجري. مدير التحرير: خالد عودة الفضلي، المحرر) الدوحة، قطر: وزارة الثقافة والرياضة- إدارة الاصدارات والترجمة.
  6. محسن بوعزيزي : الجائحة مخبراً اجتماعياً- سلسلة محاضرات, التفكير في كورونا وابعادها, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات,  7 يونيو, حزيران 2020.

إقرأ ايضا