يعتبر العراق احد الدول الريعية و مفهوم الدولة الريعية انها تعتمد على مورد اقتصادي واحد تقريبا في تامين اقتصادها و كما معلوم ان ميزانية العراق تعتمد على واردات النفط بنسبة تتجاوز % 92 في تلبية احتياجاته المختلفة. النفط الخام ببساطة مزيج معقد من مركبات هيدروكربونيه على اختلاف حالاتها الغازية و السائلة و الصلبة حيث يمكن ان يزيد مجموعها عن 17000 مركب هيدروكربوني كما ان النفط يحتوي على عناصر اخرى كالأوكسجين و الكبريت و النيتروجين.
و بغض النظر عن مكونات النفط الكثيرة جدا فان بقاءه على وضعيته كمادة خام بدون معالجة او فصل لمشتقاته المختلفة سيحرم الدول و شعوبها من الاستفادة من منافعة المتعددة التي اصبحت جزءا رئيسيا لا غنى عنه في رفاهية الشعوب و تطور الدول و لأجل تحقيق ذلك نشأت فكرة المصافي. اذن ما هي مصافي النفط؟ المصافي بكل بساطة هي مجمعات صناعية كبيرة ذات احجام و سعات مختلفة في كمية تكرير النفط الغاية منها انتاج مشتقات نفطية مختلفة مثل البنزين و الديزل و الكيروسين و النفط الابيض و الزيوت بأنواعها و الاسفلت. و تعتمد في عملية فصل المشتقات النفطية المختلفة سواء الصلبة او السائلة او الغازية على المبادئ الفيزيائية و الكيميائية في عمليات الفصل و التحويل.
عملية تكرير النفط الخام
لا يدخل النفط الخام المستخرج من ابار النفط الخام مباشرة الى مصافي النفط كونه يحتوي على املاح و شوائب و غازات ذائبة تؤثر بشكل كبير على اداء المصفى و تسبب مشاكل اهمها انسدادات للأنابيب الناقلة الخارجية و الداخلية فضلا عن التآكل لمعدات المصفى و لذلك من المهم اجراء عملية تثبيت النفط الخام موقعيا في الحقل النفطي و يتم ذلك من خلال فصل المكونات النفطية الخفيفة المسماة بالقطفات الخفيفة والغازات الذائبة عن النفط الخام سواء من خلال خفض سرعة مخلوط النفط الخام و الغاز باستخدام محطات فصل الغاز gas separator خصوصا في الابار النفطية ذات الضغط العالي حيث يتم من خلالها الحصول على أبخرة القطفات الخفيفة والغاز بعد مرورها خلال مكثف condenser ثم إلى فاصل الغاز حيث تجري عملية دفع الغازات المفصولة باستخدام مضخة إلى مصانع معالجة الغاز او شبكة الغاز اما البترول المثبت فيتم ضخه إلى مصافي النفط او تصديره الى الخارج. بعد عملية تثبيت النفط الخام موقعيا في الحقل النفطي لابد من اجراء خطوة اخرى مهمة تتمثل في ازالة الماء و الاملاح و الرمل و الاطيان و الشوائب المصاحبة عادة لعمليات استخراج النفط الخام و التي يتم فصلها بسهولة نسبيا لكن في احيان اخرى يكَون الماء مع النفط الخام مستحلبات يصعب فصلها في بعض الاحيان لكن هناك عدة طرق لا يسع المقال شرحها اهمها الطرق الكهربائية و الحرارية و الكيميائية و الميكانيكية يمكن استخدامها في عملية فصل الماء عن النفط الخام و بالتالي التخلص من المستحلبات.
الان و بعد الخطوات السابقة اصبح النفط الخام جاهزا لدخول المصفى و تكريره الى مشتقاته النفطية المختلفة حيث تبدا قصة تكرير النفط من خلال اربعة عمليات اساسية هي عمليات الفصل او الفرز و عمليات التحويل و المعالجة ثم التنقية فضلا عمليات التحسين او العمليات التكميلية للمنتج النهائي.
تتم عملية فصل المكونات الخفيفة عن الثقيلة الموجودة في النفط الخام بواسطة عملية التقطير التي تعرف ببساطة بانها عملية فرز او فصل خليط المكونات السائلة المكونة للنفط الخام من خلال رفع درجة الحرارة لتلك الخلائط مما يؤدي الى تطاير(تبخر) بعض المكونات قبل الاخرى اعتمادا على الفرق بين درجات الحرارة او الضغوط البخارية لها.
يتم تسخين النفط الخام في فرن التسخين الى درجة حرارة 400 م0 تقريبا ليدخل بعدها عن طريق الانابيب الى برج التقطير(التجزئة) حيث تكون درجة غليانه عالية في برج او عمود التقطير التجزيئي المكون من عدد من الصواني او الصفائح المثقبة التي تسمح من خلالها للبخار بالصعود الى الأعلى اذ ان ارتفاع درجة الحرارة لخليط النفط الخام سوف يؤدي الى تبخر القطفات الخفيفة اولا ذات درجات الغليان الواطئة ثم الاعلى منها درجة و هكذا تتكثّف الجزيئات في السوائل عند درجات حرارة متفاوتة داخل عمود التجزئة، لتصل الغازات فقط لقمة البرج و تسحب منه و كلما ارتفع البخار الى الاعلى كلما برد لتبدا عملية التكثيف له فعند وصول درجة الحرارة الى حدود 150 درجة مئوي ينزل البخار المتكثف الى اسفل البرج بشكل سائل ليتم سحبه من الفتحات الجانبية في البرج حيث تستمرا عمليات الفصل او التكرير لمكونات اخرى ذات درجات غليان اعلى او وزن جزيئي كبير و كما مبين في الشكل ادناه
شكل يوضح عملية تكرير النفط الخام في برج التجزئة الى مشتقات مختلفة و حسب درجة غليانها
يمكن تمثيل عملية التقطير التي تحدث على سطح الصينية بانها عملية تبخر و تكثيف حيث يحصل تبادل حراري بين الابخرة الصاعدة الساخنة و السوائل النازلة الاقل حرارة اذ تتبخر المكونات الخفيفة النازلة مع السوائل نتيجة اكتسابها حرارة من الابخرة الصاعدة في حين تتكثف المكونات الثقيلة الصاعدة مع الابخرة نتيجة اكتسابها البرودة من السوائل النازلة.
ان ما تم تكريره من مشتقات نفطية مختلفة يجب ان يخضع في معظمه الى عمليات كيميائية مختلفة قبل استخدامه من قبل المستهلك. لذلك فان عملية الاستخلاص بالمذيبات مثل الفينولات و الفورفرال و البنزين الخ مهمة جدا حيث يمكن الإفادة منها في استخلاص مكونات اضافية من المادة المكررة في المصفى مما يساهم في زيادة تركيزها و نقاوتها و هذا ما يتم ملاحظته في تحسين نوعية زيوت الرافين و التزليق في المصافي باستخدام طريقة الاستخلاص. تعتبر البلورة من الطرق المتبعة في مصافي النفط في ازالة المواد الشبه صلبة و مادة الشمع من المشتقات الثقيلة من خلال تبريد تلك المشتقات الى درجات حرارية معينة تتكون بموجبها بلورات يمكن فصلها عن المشتق النفطي الثقيل باستخدام مرشحات خاصة.
تعتبر عملية التحويل و التي تختلف عن عملية التقطير كونها ذات مبدا كيميائي و ليس فيزيائي من العمليات المهمة جدا خصوصا في زيادة كمية الوقود و تحسين نوعيته من خلال تغيير الجزيئات الهيدروكربونية الموجودة في النفط الخام و تشمل عملية التحويل الكيميائي: عمليات التكسير الحراري، أو التكسير بالعامل المساعد، والألكلة , والأزمرة , وإصلاح البنزين ، والبلمرة .
تتطلب عمليات التكسير الحراري استخدام درجات حرارة وضغط عاليين في تجزئة جزيئات النفط الثقيلة أو ذات السلسلة الكبيرة إلى جزيئات صغيرة حيث ينتج خلال هذه العملية كميات اضافية من البنزين و ذات جودة جيده و لكن الطريقة الاكثر شيوعا حاليا في مصافي النفط استخدام التكسير الحراري بوجود عامل مساعد او ما يسمى بالعوامل الحفازة مثل الالومينوسليكات وظيفتها زيادة سرعة التفاعل من دون ان تدخل فيه تمتاز هذه الطريقة باستخدام ضغط اقل كما ان جودة البنزين و كميته اكبر بكثير مما لو استخدمت عمليات التكسير بدون عامل مساعد و قد يضاف غاز الهيدروجين الرخيص الذي ينتج بطريقة ثانوية خلال العمليات النفطية في المصفى الى عملية `التكسير الحراري بوجود العامل المساعد و هو ما يتم تسميته بالهدرجة و بهذه الطريقة فان كمية و جودة الوقود الناتج تكون اكبر مما سبق حيث انه يمكن بهذه الطريقة خفض نسبة الهيدروكربونات عديمة الفائدة و بالتالي الحصول على كميات جيدة جدا من الوقود المحسن ذو العدد الاوكتاني العالي و العدد الاوكتاني مؤشر لمدى سلاسة احتراق البنزين في مكائن الاحتراق الداخلي للسيارات و كلما زاد العدد الاوكتاني كلما كان الوقود اجود.
هناك عمليات تحويل كيميائية اخرى ذات مفهوم يعاكس مبدا عمل عمليات التكسير الحراري المختلفة آنفة الذكر المبني على مبدا تكسير السلاسل الهيدروكربونية الطويلة السلسلة و ذات الوزن الجزيئي العالي الى سلاسل قصيرة و ذات وزن جزيئي واطئ حيث تسمى هذه العمليات بعمليات الدمج التي يمكن من خلالها الحصول على وقود سائل عالي الاوكتان و مواد كيميائية عالية القيمة من خلال تحويل نواتج التقطير من غازات و منتجات ذات وزن جزيئي واطئ الى منتجات ذات وزن جزيئي عالي ومن انواع عمليات الدمج هذه عملية اعادة التشكيل التي ينتج منها انواع وقود عالي الاوكتان و عملية الالكله المشابه الى عملية البلمرة التي تستهدف انتاج البوليمرات التي تدخل في تطبيقات صناعية واسعة جدا كدخولها في تعليب الاغذية و صناعة الملابس و صناعة البلاستك و صناعه الرقائق الالكترونية المختلفة…حيث يتميز البوليمر بسلاسل هيدروكربونية طويلة (وزن جزيئي عالي) ناتج من اتحاد او ارتباط الجزيئات الصغيرة بعضها مع الاخر في عملية تسمى البلمرة. ان عمليات المعالجة و التنقية لنواتج المصفى النهائية مهمه قبل وصولها للمستهلك اذ تحوي هذه النواتج على شوائب و مواد ضاره من اهمها وجود مركبات الكبريت الضارة بالبيئة و التي تسبب مشاكل التآكل للمعدات التي تستخدم المواد الحاوية عليها و لعل من اهر الطرق المستخدمة في ازالة الكبريت معاملته بالهيدروجين او ما تسمى بعملية الهدرجة من خلال وجود عامل مساعد (حفاز) حيث يتكون كبريتيد الهيدروجين الذي يمكن ازالته من خلال استخدام مذيب مناسب و من الجدير ذكره ان الكثير من المنتجات النفطية تحتاج الى مضافات(مواد كيميائية) معينة بغية تحسين جودتها الفيزيائية كالشكل او اللون او الرائحة او الكيميائية كالمساعدة في تحسين عملية احتراقها.
الخاتمة
لا شك ان عمليات تكرير النفط معقدة جدا و تتداخل فيها عوامل فيزيائية و كيميائية مختلفة و لكن في هذه المقالة و نزولا لرغبة مركز السبط التخصصي في كتابة مقالات علمية بلغة بسيطة حاولت ان اكتب ذلك بحيث يستطيع القارئ البسيط او غير المختص من فهم ما يدور من عمليات تصفية و معالجة مختلفة للنفط الخام بغية الحصول على منتجاته المختلفة و التي لا غنى للإنسان عنها في وقتنا الحاضر.. تضمنت المقالة مفهوم الدولة الريعية و تعريف النفط الخام و مكوناته المتعددة التي ما لم يتم تكريرها او فصلها بشكل جيد فالاستفادة من النفط الخام ستكون عديمة الجدوى. كما ان عملية فصل مكونات النفط المختلفة ستكون مكلفة اقتصاديا و بيئيا ما لم تتم عمليات المعالجة الاولية له قبل دخوله المصفى لان ذلك سيؤدي الى عرقلة عمل المصفى و ربما يسبب خروجه عن الخدمة في وقت قصير من عملة. تعتبر عمليات الفصل و التحويل الكيميائي و التنقية المبنية على الاسس الفيزيائية و الكيميائية جوهر عمل مصافي النفط اذ من خلالها يمكن الاستفادة القصوى من كل محتوياته و ان اجراء العمليات التكميلية النهائية على المشتقات النفطية سيحسن من نوعية المنتج النهائي.
المصادر
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%81%D8%B7#cite_note-38
2- عباس, اكرم كريم و سلمان ,حلمي حيدر “تقنية الزيوت الخفيفة” وزارة النفط – معهد التدريب النفطي , بغداد/ العراق.
3- Sami Matar and Hatch, Lewis F. ” Chemistry of Petrochemical Processes” 2end, 2000, Gulf Publishing Company, Houston, Texas, United State.
4- Ali A. Ali Al-Yasiri “Recycling of Used Car Oil by Acid Treatment Method”,Journal of College of Education for Pure Science 8 (1), 262-273(2017)
5- MTK and Ali A. Ali Al-Yasiri “A comparative study of Iraqi crude oil taken from the Nasiriyah refinery with
various local and global crude oils, JOURNAL OF THI-QAR SCIENCE (1), 70-77(2016)