إنعكاسات الثورة التكنولوجية المعاصرة على القيم الأخلاقية للشباب العربي

 

شارك المقال

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Email
LinkedIn

إقرأ ايضا

أدت الثورة العلمية والتكنولوجية إلى الكثير من الآثار الإيجابية فى حياة البشرية وتقدم المجتمعات الإنسانية، لكنها في الوقت ذاته أدت إلى انتشار الكثير من القيم السالبة التي انتشرت في المجتمعات العربية، كالفصل بين العلم والأخلاق، والتركيز في القيم المادية على حساب القيم الأخلاقية، وكل ذلك أدى بدوره إلى إعاقة الإبداع وإفراغ المعرفة من مضمونها التنموي والإنساني، إذ ضاعت القيمة الاجتماعية للعالم والمتعلم والمثقف، وتحاول هذه المقالة الحالية عرض أبرز أبعاد الثورة العلمية والتكنولوجية، وانعكاسات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة على قيم الشباب العربي، وكيفية التعامل والتصدي للآثار السلبية لها. يشكل الشباب فئة متميزة في أي مجتمع، بل هم أكثر فئات المجتمع حركة ونشاطاً، ومصدراً من مصادر التغيير الاجتماعي، وتتصف هذه الفئة بالإنتاج والعطاء والإبداع في المجالات كافة، فهم المؤهلون للنهوض بمسؤوليات بناء المجتمع وتعد القيم هي الضابط والمعيار الأساس للسلوك الفردي والاجتماعي، ولا يمكن تحديد الأهداف التربوية لتكون معبرة عن طبيعة الإنسان وطبيعة المجتمع إلا عبر القيم؛ الأمر الذي يؤكد المسؤولية المشتركة في تعميق القيم وتنميتها، لدى الشباب، عن طريق التخطيط والتنسيق بين مؤسسات المجتمع كافة. ويشهد الواقع الاجتماعي في بلاد الوطن العربي -حالياً- مشكلات شبابية حادة تتخذ صوراً مختلفة من حيث مضمونها وحدتها، ولاسيما اهتزاز القيم، واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية، الأمر الذى يتمثل بوضوح فى تزايد ألوان الانحراف، وانتشار صور من السلوك لم تكن مألوفة من قبل مما يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعيين. فنتيجة للتغيرات المتسارعة التي يعيشها العالم، وقع شبابنا في تشتت واضح بالأهداف والغايات، إذ أدت التغيرات العالمية المتسارعة إلى عدم مقدرة الشباب على التمييز الواضح بين ما هو صواب وما هو خطأ؛ وبالتالي أضعفت قدرتهم على الانتقاء والاختيار من بين القيم المتصارعة الموجودة، وعجزهم عن تطبيق ما يؤمنون به من قيم؛ كل هذا أدى إلى حدوث “أزمة قيمية”، كان لها أثر كبير في دفع الشباب للتمرّد، والثورة على قيم المجتمع، واغترابهم شبه التام عن القيم التي جاءت بها الثورة العلمية التكنولوجية. فالعالم يشهد ثورة علمية وتكنولوجية هائلة، سيتعاظم حجمها وتأثيرها خلال المدة المقبلة من الزمن، وسيكون لها إسقاطاتها الفكرية، والاجتماعية، والسياسية على مختلف مناطق العالم، والدليل على ذلك ما تعرض له الاتحاد السوفيتي من سقوط مريع في أواخر القرن العشرين؛ نتيجة الفجوة التكنولوجية التي اتسعت باطّراد بينه وبين النظام الغربي. ويتمثّل لبّ الثورة العلمية والتكنولوجية في الأوتوماتية Automation، ففي عصر الزراعة تمثلت في الأدوات، وفي عصر الصناعة تمثلت في الآلة، أما مع الثورة العلمية والتكنولوجية فتتمثل في الآلة ذاتية المعالج الدقيق للمعلومات، والذي يمكنه إدارة خط كامل للإنتاج، بل مصنع بأكمله دون تدخل مباشر من الإنسان، وقد غطت الثورة العلمية والتكنولوجية عدة مجالات منها: 1- تكنولوجيا المعلومات، والمتمثلة في الالكترونيات الدقيقة، والآلات الحاسبة، والإنسان الآلي، وصناعة المعلومات، والطاقة النووية، وتكنولوجيا الفضاء. 2- التكنولوجيا الحيوية والمتمثلة في علم الأحياء والهندسة الوراثية. 3- تكنولوجيا المواد وهو مجال تخليق المواد الجديدة، وإحلالها محل المواد الطبيعية القديمة على أساس التكنولوجيا الكيمياوية، والبتروكيميائية . ومن الطبيعي عدم حدوث تغيّرات علمية أو تكنولوجية دون أن يكون لها سلسلة من التوابع والانعكاسات، سواء أكانت اقتصادية، أم اجتماعية، أم ثقافية، أم قيمية، سواء أكان ذلك على مستوى المجتمع العالمي، أم على المستوى المحلي، وسواء أكان سلباً أم إيجاباً، ومن هذه الانعكاسات: 1- زيادة الترابط بين بقاع العالم والاعتماد المتبادل بين مختلف دوله. 2- التراكم الكبير في المعلومات والمعارف العلمية والتقنية أخذت بيد الحكومات والدول للتقدم والرقي في العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. 3- الاتجاه المتزايد نحو استخدام الآلة في مجالات الحياة المختلفة، وتطور تكنولوجيا الآلات المتناهية فى الصغر، والأجهزة عالية الطاقة ذات التكلفة القليلة. 4- تغيّر النسق القيمي الموجود، فانتشرت كثير من القيم لدى الشباب ولاسيما تلك المرتبطة بالسلام والمحبة واحترام البيئة وحمايتها، وبدأت الدعوة إلى قيم إنسانية جديدة كاحترام الحياة، والمسؤولية تجاه الأجيال القادمة وحماية البيئة، وبات من المألوف فهم أن هذه القيم وغيرها عناصر أخلاقية يبنى عليها الضمير العام القيم الإنسانية كلها. 5- اٍحداث تغييرات في البنى الاجتماعية؛ لأن التقدم التكنولوجي سيعوض عن العمالة التي تتطلبها الصناعة الآلية الكبيرة، ومن ثم صار مصدراً للبطالة، ولاسيما بين الشباب؛ الأمر الذى أدى إلى وجود فراغ كبير لدى الطبقة المؤثرة في المجتمع، وأدى هذا الفراغ إلى اكتساب الشباب العديد من القيم التي تتعارض مع القيم المطلوبة في المجتمع، فاتجه الشباب إلى العنف للتنفيس عن الطاقة التي لديهم، أو اتجهوا إلى عدم الولاء والانتماء لمجتمعهم بالنحو المطلوب؛ لأن المجتمع لم يحقق لهم أهدافهم، واعتمدوا على الاتكالية والسلبية وعدم تحمل المسؤولية، وإذا كانت هذه بعض السلبيات إلا أن الثورة العلمية والتكنولوجية أدت إلى ظهور وظائف جديدة تتماشى مع هذا التقدم. وقد ظهرت العديد من القيم السلبية وكان لها تأثيرها على مجتمعاتنا، ومن هذه السلبيات عدم اقتران العلم بالأخلاق، وأبرز مظاهر ذلك هو ظهور ما يسمى بتأجير الأرحام، وتظهر الخطورة على المجتمع هنا في اختلاط الأنساب، وظهور ما يسمى بالاستنساخ البشري، فهذه المظاهر كلها جاءت نتيجة حتمية العلم دون اعتبار للدين والإيمان والأخلاق، ولا يخفى خطورة مثل تلك الأمور حتى لو كانت تعتمد على العلم، ولكن لا يحكم تلك الأعمال أي قيم، أو أخلاق، أو معايير، بل يكون هدفها فقط هو الحصول على النتيجة النهائية لذلك وهو المال. وهذه القيم السلبية التي انتشرت في الكثير من المجتمعات العربية أعاقت الإبداع، وأفرغت المعرفة من مضمونها التنموي والإنساني، إذ ضاعت القيمة الاجتماعية للعالم والمتعلم والمثقف، وإن التعليم فقد قدرته على توفير الإمكانات التي تتيح للفقراء الارتقاء الاجتماعي، وباتت القيمة الاجتماعية العليا للثراء والمال، بغض النظر عن الوسائل المؤدية إليها، وساعد القمع والتهميش في قتل الرغبة للإنجاز والسعادة والانتماء؛ مما أدى اٍلى سيادة الشعور باللامبالاة والاكتئاب السياسي، وبالتالي ابتعاد المواطنين عن المشاركة في إحداث التغيير المنشود في الوطن، ولم يعد الإنسان الحديث المنتج الفعال هو مثال المواطن المنشود؛ وبالتالي كان من الطبيعي أن تعاني الثقافة وإبداع المعرفة معاناة حقيقية، وهذا معناه أن الشباب العربي فى حاجة ماسة إلى تمثل قيم جديدة كالمثابرة والصبر على العمل والإصرار والابتكار. الخاتمة: وتتطلب الثورة العلمية والتكنولوجية ضرورة العمل على تنمية بعض القيم التي تؤمن بأهمية العلم كقيمة، والاهتمام بالتفكير العلمي، وأهمية استخدام العلم الاستخدام الأمثل، ولاسيما في إطار التعامل مع البيئة والعمل على حمايتها، والإيمان بقدرة العلم على الانتقال بالشباب وبمجتمعهم من التخلف إلى التقدم، ولعل أهم السلوكيات التي يتطلبها هذا التقدم التكنولوجي الهائل هو تقدير قيمة الوقت، وقيمة النظام، والتنظيم، والتخطيط السليم، وتحمل المسؤولية في إدارة شؤون الحياة ومجالاتها بدءاً من محيط الأسرة، إلى موقع العمل، إلى المشاركة في الحياة العامة، وهذا أمر حيوي فى الوقت الحاضر في ضوء الإحباطات التي يواجهها الشباب؛ نتيجة عدم اهتمام المجتمع بالتعليم الاهتمام الكافي، وعدم إيمان بعض أفراد المجتمع بقدرة التعليم على إحداث الحراك الاجتماعي. وحتى يمكن لشبابنا أن يتعايشوا مع الثورة العلمية والتكنولوجية الحالية فلا بد من صياغة استراتيجية تساعد هذا الشباب، وتقوم هذه الاستراتيجية على عدة محاور، هي: – البناء القيمي والأخلاقي للشباب: وذلك حتى يمكن غربلة هذا الطوفان القيمي، والثقافي المتدفق من العالم الخارجي. – التفوّق العلمي والتكنولوجي: بحيث يكتسب شبابنا القيم الجديدة، وهي القيم العلمية، التي تجعلهم يجارون العالم المتقدم، وإلا بقينا في المستوى نفسه من التقدم. – قبول التعددية والانطلاق نحو العالمية: وذلك عن طريق الحفاظ على هويتنا وقيمنا الأصلية، وفي الوقت نفسه يكون شبابنا قادراً على التعامل الإيجابي مع التعددية الفكرية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية. – تشجيع الطلبة على المشاركة في إنشاء العديد من جمعيات المجتمع المدني. – ضرورة حث الطلبة على الالتزام بقوانين المجتمع ومعاييره، وعدم مخالفتها وذلك كالالتزام بقواعد المرور. – تشجيع الشباب على تحمل المسؤولية والاستقلالية في إطار التوجّه العالمي نحو الاهتمام بنشر ثقافة ريادة الأعمال، وإنشاء المشروعات المعتمدة على منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية بين فئات الشباب العربي.
المصادر: 1- مجذاب بدر عناد ومحيى الدين حسين: المتغيرات الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على اقتصاديات منطقة الشرقالأوسط، أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية، طرابلس، 1998، ص: 88. 2- محمود حمدي زقزوق: مفاتيح الحضارة وتحديات العصر، سلسلة قضايا إسلامية، وزارة الأوقاف – المجلس الأعلى للشؤون الاسمية، القاهرة، 1418هـ / 1998م، ص: 62. 3- على الدين هلال: “التحولات العالمية المعاصرة وأثرها على مستقبل التعليم في الوطن العربي”، الندوة التربوية لاجتماع المجلس التنفيذى لاتحاد المعلمين (استراتيجية التعليم في الوطن العربى في ضوء تحديات القرن الحادي والعشرين، جامعة الدول العربية، نقابة المهن التعليمية، القاهرة، 1.-15 أيلول، 1994 ، ص: 189. 4- 48-Michel D. Bordo،Barry Eichengreen and Douglas. Irwill : “is Golobalization Today Really Different Than Globalization A Hundred Years Ago?” NBER Working Paper series، 7195،Combridge،June 1999،P.1 5- جمال علي خليل الدهشان: “الجديد في تطوير التعليم الجامعي” مؤتمر جامعة المنوفية التعليم العالي في مصر وتحديات القرن 21، مركز إعداد القادة – الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، 2.-21 أيار 1996، ص: 188. 6- عبد الودود مكروم: “بعض متطلبات تنمية القيم العلمية لدى طلاب المرحلة الثانوية”، مستقبل التربية العربية، مجلد 8، ع 27، المركز العربي للتعليم والتنمية، القاهرة، أكتوبر، 2..2، ص: 86. 7- أسامة حسين باهي: “فلسفة القيم Axiologyرؤية فلسفية فى عالم متغير من منظور إسلامي”، مجلة تربية الأزهر، عدد 1.8، 2..2، ص: 29-31 . 8- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي – الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي: تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2..3 – نحو إقامة مجتمع المعرفة، المكتب الإقليمي للدول العربية، الأردن، 2..3، ص: 141 . 9- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية،التقرير الاستراتيجي العربي، 1999، مرجع سابق، ص: 164-165.

إقرأ ايضا